التجربة الماليزية جديرة بالتأمل وخصوصا أنها تتميز بكثير من الدروس التي من الممكن أن تأخذ بها الدول النامية كي تنهض من كبوة التخلف والتبعية .فعلى الرغم من الانفتاح الكبير لماليزيا على الخارج والاندماج في اقتصاديات العولمه ,فإنها تحفظ بهامش كبير من الوطنية الاقتصادية.
وخلال نحو عشرين عام تبدلت الأمور في ماليزيا من بلد يعتمد بشكل أساسي على المعدات الكهربائية والإلكترونيات .فتقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لعام 2001م رصد أهم 30دولة مصدرة للتقنية العالية ,كان ماليزيا في المرتبة التاسعة متقدمة بذلك عن كل من إيطاليا والسويد والصين . كما كانت تجربتها متميزة في مواجهة أزمة جنوب شرق آسيا الشهيرة التي شهدها العام 1997م حيث لم تعبا بتحذيرات الصندوق والبنك الدوليين أخذت تعالج أزمتها من خلال اجندة وطنية فرضت من خلالها قيودا صارمة على سياستها النقدية, معطية البنك المركزي صلاحيات واسعة لتنفيذ ما يراه لصالح موجهة هروب النقد الأجنبي إلي الداخل أصبحت عصا التهميش التي يرفعها الصندوق والبنك الدوليان في وجه من يريد إن يخرج عن الدوائر المرسومة بلا فاعلية في مواجهة ماليزيا التي خرجت من كبوتها المالية اكثر قوة خلال عامين فقط لتواصل مسيرة التنمية بشروطها الوطنية. بينما إندونيسيا وتايلاند مثلا مازالتا تعانيان اثر الأزمة , من خلال تعاطيهما تعليمات اجندة الصندوق والبنك الدوليان ونظرا لتفرد التجربة الماليزية فقد حرصنا على مشاركة المتخصصين الذين تناولوا من خلال كتب منشورة وأبحاث علمية شاركوا بها في المؤتمرات العلمية .العوامل الاقتصادية والسياسية التي ساعدت على نجاح التجربة الدكتورة "نعمت مشهور " أستاذة الاقتصاد الإسلامي في كلية التجارة للبنات بجامعة الأزهر ترى أن هناك مجموعة من العوامل ساعدت على نجاح تجربة ماليزيا في التنمية وهى كما يلي:
1-المناخ السياسي لدولة ماليزيا يمثل حالة خاصة بين الكثير من الدول النامية , حيث يتميز بتهيئة الظروف الملائمة للإسراع بالتنمية الاقتصادية . وبذلك إن ماليزيا لم تتعرض لاستيلاء العسكريين على السلطة .
2- يتم اتخاذ القرارات دائما من خلال المفاوضات المستمرة بين الأحزاب السياسية القائمة على أسس عرقية , ما جعل سياسة ماليزيا توصف بأنها تتميز بأنها ديموقراطية في جميع الأحوال.
3-تنتهج ماليزيا سياسة واضحة ضد التفجيرات النووية , وقد أظهرت معارضتها الشديدة لتجارب فرنسا النووية , وحماتها التي أثمرت عن توقيع دول جنوب سرق آسيا العشر المشتركة في " تجميع الآسيان" في العام 1995م على وثيقة إعلان منطقة خالية من السلاح النووي وقد ساعد هذا الأمر على توجيه التمويل المتاح للتنمية بشكل أساسي بدلا من الإنفاق على التسلح وأسلحة الدمار الشامل.
4- رفض الحكومة الماليزية تخفيض النفقات المخصصة لمشروعات البنية الأساسية والتي هي سبيل الاقتصاد إلى نمو مستقر في السنوات القليلة . لذا قد ارتفع ترتيب ماليزيا لتصبح ضمن دول الاقتصاد الخمس الأولى في العالم المحلى .
5- انتهجت ماليزيا استراتيجية تعتمد على اللذات بدرجة كبيرة من خلال الاعتماد على سكان البلاد الأصليين الذين يمثلون الأغلبية المسلمة من السكان .
6- اهتمام ماليزيا بتحسين المؤشرات الاجتماعية لراس المال البشرى الإسلامي , من خلال تخسين الأحوال المعيشية والتعليمية والصحية للسكان الأصليين أو من المهاجرين إليها من المسلمين الذين ترحب السلطات بتوطينهم.
7-اعتماد ماليزيا بدرجة كبيرة على الموارد الداخلية في توفير رؤوس الأموال اللازمة لتمويل الاستثمارات حيث ارتفع الادخار المحلى الإجمالي بنسبة 40%بين سنة 1970م وسنة 1993م كما زاد الاستثمار المحلىالاجمالى بنسبة 50% خلال الفترة عينها .
ويرى د.محمود عبد الفضيل أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أنة في الوقت الذي تعانى فيه بلدان العالم النامي من ثالوث آخر دفع بها إلي التنمية منذ مطلع الثمانيات وهو ثالوث النمو والتحديث والتصنيع ,باعتبارها هذه القضايا الثلاثة الأولويات اقتصادية وطنية , كما تم التركيز على مفهوم((ماليزيا كشراكه ))كما لو كانت شركة أعمال تجمع بين القطاع الخاص و العام من ناحية وشراكه تجمع بين الأعراق والفئات الاجتماعية المختلفة التي يتشكل منها المجمع الماليزي من ناحية أخرى .ويضيف عبد الفضيل إن هناك عوامل أخرى ساعدت على نجاح التجربة التنموية في ماليزيا منها:
1-أنها تعاملت مع الاستثمار الأجنبي المباشر بحذر حتى منتصف الثمانيات , ثم سمحت له بالدخول ولكن ضمن شروط تصب بشكل أساسي في صالح الاقتصاد الوطني منها: إلا تنافس السلع التي ينتجها المستثمر الأجنبي الصناعات الوطنية التي تشبع حاجات السوق المحلية.
إن تصدر الشركة 50% على الأقل من جملة ما تنتجه الشركات الأجنبية التي يصل راس مالها المدفوع نحو 2 مليون دولار يسمح لها باستقدام خمسة أجانب فقط لشغل بعض الوظائف فى الشركة .
2- أيضا امتلاك ماليزيا لرؤيا مستقبلية للتنمية والنشاط الاقتصادي من خلال خطط خمسية متتابعة ومتكاملة منذ الاستقلال وحتى الآن , بل استعداد ماليزيا البكر في الدخول في القرن الحالي التخطيط لماليزيا 2020م والعمل على تحقيق ما تم التخطيط له.
3- وجود درجة عالية من التنوع في البنية الصناعية وتغطيتها لمعظم فروع النشاط الصناعي (الصناعات : الاستهلاكية- الوسيطة – الرأسمالية) وقد كان هذا الأمر كمحصلة لنجاح سياسات التنمية بماليزيا فيمكن اعتباره سببا ونتيجة في الوقت عينة .
مسيرة التنمية في ماليزيا يرصد الدكتور عبد الفضيل تجربة التنمية في ماليزيا من خلال البعد التاريخي ومدى تطور التنمية في هذا البلد فيذكر أنة , بعد إن حصلت ماليزيا على استقلالها في العام 1958م اتجهت استراتيجية التنمية إلى الإحلال محل الواردات في مجال الصناعات الاستهلاكية والتي كانت تسيطر عليها الشركات الأجنبية قبل الاستقلال . إلا أن هذه الاستراتيجية لم تفلح في مجال التنمية المتواصلة نظرا لضيق السوق المحلى وضعف الطلب المحلى .
ولم يكن لهذه العناية أو وجود قيمة مضافة عالية .
ويبين عبد الفضيل أن المرحلة الأولي بدأت في عقد السبعينيات حيث اتجهت التنمية فى ماليزيا للاعتماد على دور كبير للقطاع العام والعبء في التوجيه التصديري في عمليات التصنيع ,حيث بدا التركيز على صناعة المكونات الإلكترونية ولكن هذه الصناعات كانت كثيفة العمالة مما نتج منة تخفيض معدلات البطالة وحدوث تحسن في توزيع الدخول والثروات بين فئات المجتمع الماليزي ولاسيما بين نخبة صينية كانت مسيطرة على مقدرات النشاط الاقتصادي خلال فترات الاحتلال والسمان ذوى الأصل الماليزي الذين يشكلون الأغلبية في ماليزيا.
أيضا كان لشركات البترول دور ملموس في دفع السياسات الاقتصادية الجديدة حيث كونت ما يشبة الشركات القابضة للسيطرة على ملكية معظم الشركات التي كانت مملوكة للشركات الإنجليزية والصينية .
وقد تحقق لها مع نهاية عقد السبعينيات , يوضح عبد الفضيل , إن المرحلة الثانية شهدت الخمس سنوات الأولي من عقد الثمانيات تنفيذ الخطة الماليزية الرابعة والتي ركزت على محورين هما : موجه جديدة من الصناعات التي تقوم بعمليات الإحلال محل الواردات والصناعات الثقيلة في إطار ملكية القطاع العام بينما الفترة الممتدة من منتصف الثمانيات وحتى العام 2000م لتشمل المرحلة الثالثة حيث شهد تنفيذ ثلاث خطط خمسية في ماليزيا .
استهدفت تحقيق مجموعة من السياسات لتنشيط عمليات النمو الصناعي وتعميق التوجه التصديري في عمليات التصنيع وأيضا تحديث البنية السياسية للاقتصاد الماليزي , وكذلك وجود مزيد من التعاون الاقتصادي الإقليمي في إطار مجموعة بلدان كتلة " الآسيان" أخيرا الماليزيين من ذوى الأصول الملوية .
الإسلام وتجربة التنمية في ماليزيا تقول الدكتورة " نعمت مشهور " تقوم تجربة ماليزيا على إنها تجربة ناجحة وإنها تجربة اتفقت إلى مدى بعيد مع مبادئ أسس الاقتصاد الإسلامي , وان يتم الإعلان صراحة عن هذا الانتماء .
فقد اهتمت ماليزيا بتحقيق التنمية الشاملة لكل من المظاهر الاقتصادية والاجتماعية , مع الموازنة بين الأهداف الكمية والهداف النوعية , مع الاهتمام بهذه الأخيرة , وتدلل الدكتورة "نعمت مشهور" على ما ذهبت علية من خلال ما يلي :ـــــــ في مجال التنمية المادية عملت ماليزيا على تحقيق العدالة بين المناطق , بحيث لا يتم تنمية منطقة على حساب الأخرى ,فازدهرت مشروعات البنية الأساسية في كل الولايات ,كما اهتمت بتنمية النشاطات الاقتصادية جميعها فلم يهمل القطاع الصناعي الوليد أو القطاع التجاري الإستراتيجي ,وانما يم إمداده بالتسهيلات والوسائل التي تدعم نموه , وتجعله السند الداخلي لنمو القطاعات الأخرى , كما اتفقت التنمية الماليزية الإسلامي الذي يجعل الإنسان محور النشاط التنموي وأداته , فأكدت تمسكها بالقيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية والمسواة الاقتصادية , مع الاهتمام بتنمية الأغلبية المسلمة لسكان البلاد الأصليين من الملويين وتشجيعهم على العمل بالقطاعات الإنتاجية الرائدة, فضلا عن زيادة ملكيتهم لها.
كما وفرت لأفراد المجتمع إمكانات تحصيل العلم في مراحله المختلفة ,وتسهيل التمرين والتدريب ورفع مستوى الإنتاجية , وترتيبات الارتفاع بالمستوى الصحي وتوقعات العمر , فنجحت في تحسين مستويات معيشة الأغلبية من أفراد الشعب كما ونوعا , وخصوصا مع الانتفاع متوسط الدخل الفردي .
كذلك انتهجت ماليزيا استراتيجية الاعتماد على الذات في الأضلاع بالعبء التنموي , سواء البشرى أو التمويلى , حيث عملت على حشد المدخرات النحلية الأزمة لاستغلال الموارد الإلهية المتاحة .
أيضا اهتمت ماليزيا بتجربة تحسين المؤشرات الاجتماعية لراس المال البشرى الإسلامي, سواء كان من أتهل البلاد الأصليين أو من المهاجرين إليها من المسلمين الذين ترحب السلطات بتوطينهم , كما اسهم ارتفاع نصيب الملويين في الملكية المشتركة للثروة في القطاعات الإنتاجية المختلفة, فضلا عن القطاع المالي والمصرفي , إلى توفير رؤوس الأموال المحلية اللازمة لمختلف اوجه التنمية بصورة متزايدة والتي أسهمت في الإقلال من الديون الخارجية , وما يترتب عليها من زيادة عبء الدين الذي يرهق الموارد اللازمة للتنمية ,فضلا عن والعواقب الوخيمة اجتماعيا وسياسيا .
طبيعة دور الدولة في النشاط الاقتصادي في ماليزيا تتم من خلال القنوات الديموقراطية للشورى المتمثلة فىالاحزاب الماليزية المتعددة التي توفر أوسع مشاركة ممكنة للناس في مناقشة جميع القضايا المتعلقة بالمصلحة العامة .